من أنفع الطرق لتصويب حركة الإنسان هو أن يجد له فرصة، يقوّم من خلالها ما يحتاج إلى تقويم وتكون محطة يعيد فيها النظر في جميع شؤون حياته، فكيف إذا كانت هذه الفرصة من الرب؟.
إن الله تعالى أراد من خلال شهر رمضان المبارك لنا جميعاً أن نبني ذواتنا بناءً جديداً، يأخذ بنا بعيداً عن كل المطامع في هذه الحياة وهي كثيرة. كثيرة إلى حد إستوعبت كل جوانب الحياة حيث نعيش في عالم ملؤه الطمع والجشع والظلم والاستبداد، بل أصبح زهق الأرواح لا يشكل حاجزاً أمام الوصول إلى هذه الأهداف.
شهر الصيام شهر يعين الفرد والجماعة في آن معاً للعودة إلى رحاب الله، والتفكر في نعم الله الكثيرة التي يجب أن تستثمر للوصول إلى مرضاته، وأن ترتقي إلى مراتب السعادة والفرح والسرور.
ها نحن اليوم نعيش في أيام تحوطها التعاسة والانحطاط، بل أبشع أنواع الظلم الوحشي والصمت المريب الذي يستغل العدو المجرم من خلاله تمرير كل مشاريعه المبيّتة وإعمال آلية القتل الوحشيّة، وهو يرى أن الجميع يراه وينظر إليه بعين الرضى والقبول، بل هو من أعلى مراتب التأييد والمشاركة المبطنة في كل قطرة دم.
مسكين هذا الإنسان الذي أراده الله تعالى أن يكون موطن إختبار السعادة والتطور، وإذا به يصبح موطن إختبار التفنن بالفتك والقتل.
العالم اليوم لا يمكن أن يوصف بأنه على الحياد، بل هو شريك حقيقي بكل ما يجري ويريد لآلة القتل أن تستمر حتى القضاء على آخر صوت حر لا يطأطئ رأسه ذلاً وخنوعاً، وما أقل من نجده اليوم في خضم هذه المغريات الكثيرة التي يعمل الجميع على كسب المنافع وتثبيت العروش وتقوية النفوذ، حتى لو كان ثمن ذلك دماء الأبرياء والأطفال.
شهر رمضان محطّة تنقل الجاد منّا إلى ضفة أخرى، تكون فيها السعادة والحياة الكريمة والإنتفاضة على كل هذه الموازين الكاذبة التي أصبحت جزءاً من حياتنا.
شهر رمضان لا يخلق فينا إنساناً جديداً بل يعطينا فرصة أخرى، نستطيع من خلالها العبور إلى مأمن من رواسب وتأثرات وقوة المال والنفط والدولار.
شهر رمضان شهر الطاعة والعودة إلى الله الواحد الأحد، الذي إليه عودة العباد، ولابد أن يقف الجميع بين يديه وقفة الذل والهوان، بما قدم في هذه الحياة.